يُعَدُّ الكتابُ (المنصفُ) ثمرةَ تضافُر جهود عالِمَيْنِ جليلين سَعَيَا إلى خدمة هذا اللسان العربي في سعيهما إلى خدمة كتاب الله، والنَّاظر في الكتاب يَسْتَشِفُّ منه المحلَّةَ العالية التي تبوَّأها بين مصنَّفات فَنِّه، حتى أُغرِيَ به ابنُ جنِّي، وعَلِقَ قلبُه، فَنَذَر له نفسَه ووقتَه، وسعى إلى شرحه؛ فكان الشَّرحَ الفَذَّ لتصريف أبي عثمان المازنيّ.
أدار المحقِّق دراسة الكتاب على ستَّة فصول، فكانت هذه الدراسة حديثًا عن المازنيِّ، وابن جنِّي، وعن منهج ابن جنِّي في (المنصف)، وعن مصادره، وعن السَّماع الذي هو الأصل الأوَّل من أصول الاحتجاج في اللُّغة والنَّحو، وعن القياس الذي هو الأصلُ الثَّاني من أصول الاحتجاج، وختم هاتيك الدراسةَ بالكلام على العِلل التَّصريفيَّة.
وأمَّا التَّحقيقُ فقد اتَّبع فيه المحقِّقُ المنهجَ المعتمدَ عند شيوخ هذا الفنِّ على وَفق ما ارتَضَوْهُ.. ثم وصف النُّسخَ الخطِّيّةَ (وبلغ عددها خمسًا) التي عوَّلَ عليها في إظهار النَّصِّ المحقَّق قُبَيلَ الخوض في التَّحقيق، وأردف ذلك ببيان سَيْرِ العمل في التَّحقيق، ثم صنعَ للكتاب فهارسَ فنِّيَّةً بلغت واحدًا وعشرين فهرسًا، ثم بعد ذلك كلِّه جاء المنصف في ثلاثة أجزاء ما عدا الدراسة؛ فكان الجزءان الأوَّل والثَّاني لشرح تصريف أبي عثمان المازنيّ الذي ضمّ َالحديث عن أصول الصَّرف العربيِّ.. وكان الجزء الثالث لشرح الغريب من اللغة التي وقعت في متن الكتاب، وكذلك للمسائل المشكلة العويصة.